تمكن علماء الفلك مؤخراً من العثور على أقرب ثقب أسود يُعتقد بوجوده إلى الأرض، وذلك حتى الآن، حيث يُحتمل أن يكون أقرب من القوس A* الهائل الواقع في مركز مجرتنا درب التبانة. ولكن لا داعي للذعر، فعلى الرغم من كونه أول دليل على وجود مثل هذا الثقب الأسود متوسط الحجم، إلا أنه لا يشكل أي تهديد على كوكبنا.هذا الاكتشاف الذي يوصف بأنه “دليل استثنائي” نُشر في دراسة حديثة بمجلة “Nature” بتاريخ العاشر من يوليو.
ومنذ اكتشاف Cygnus X-1 عام 1964، تمكن العلماء من تحديد موقع العشرات من الثقوب السوداء بأحجام مختلفة. على سبيل المثال، يقع القوس A* في قلب مجرة درب التبانة على بعد حوالي 27 ألف سنة ضوئية من الأرض. وعلى غرار العديد من المراكز المجرة الأخرى، يُعد القوس A* ثقبًا أسودًا هائلاً تبلغ كتلته مليارات من كتلة الشمس. لكن الثقوب السوداء لا تأتي فقط بأحجام هائلة، إذ توجد أيضًا الثقوب النجمية التي تم رصدها سابقًا والتي تتراوح كتلتها بين كتلة شمسية وبضع عشرات من الكتل الشمسية.
ومع ذلك، ظل العثور على الثقوب السوداء متوسطة الكتلة لغزًا يحير علماء الفلك. يعتقد الخبراء أن هذا يرجع إلى امتصاص المجرات الأكبر للمجرات القزمة المحيطة بها بشكل متكرر. وخلال هذه العملية، يتجمد الثقب الأسود متوسط الكتلة وعنقود النجوم المحيطة به في قلب المجرة الصغيرة بفعل الزمن. إن عدم قدرته على التهام المزيد من المادة يحافظ على هذا العنقود النجمي بحجم ثابت ومتوسط إلى الأبد، تمامًا مثل عنقود أو مجموعة نجوم Omega Centauri.
يقع Omega Centauri على بعد حوالي 18 ألف سنة ضوئية من الأرض، وكان يعتبر نواة مجرة منفصلة قبل مليارات السنين من ابتلاعه من قبل مجرة درب التبانة. لطالما افترض علماء الفلك أن هذا النواة يضم ثقبًا أسودًا متوسط الكتلة، لكنهم لم يتمكنوا من إثبات ذلك بشكل قاطع. وبفضل فريق بقيادة باحثين من معهد ماكس بلانك لعلم الفلك (MPIA) وجامعة يوتا، قد يكون من الممكن الآن إثبات هذه الفرضية.
وفقًا للدراسة الجديدة، أصبح لدى علماء الفلك الآن أفضل مرشح للعثور على ثقب أسود متوسط الكتلة داخل Omega Centauri. حيث أشرف ماكسيميليان هابيرلي، طالب الدكتوراه في معهد ماكس بلانك لعلم الفلك، على المهمة الشاقة المتمثلة في فهرستة الدقيقة للسرعات العالية للغاية لنحو 1.4 مليون نجم داخل العنقود من خلال فحص أكثر من 500 صورة التقطها تلسكوب هابل الفضائي. بناءً على سرعاتها النسبية، يعتقد علماء الفلك أن كتلة مكثفة (أي ثقب أسود) تقع في مكان ما وسط كل تلك النجوم. ومع ذلك، يستحيل تحديد حجم هذه الكتلة باستخدام سرعة نجم واحد فقط، وذلك بسبب عدم القدرة على تحديد ما إذا كان النجم قريبًا من جسم ضخم جدًا، أو أنه ببساطة قريب جدًا من جسم أصغر.
وقال هابيرلي في بيان مصاحب: “كان البحث عن النجوم عالية السرعة وتوثيق حركتها بمثابة البحث عن إبرة في كومة قش”.
ومن بين تلك النجوم، بدا أن سبعة نجوم فقط تتميز بسرعات عالية جدًا وحركة اتجاهية تشير إلى وجود كتلة كونية قريبة. وبعد الفحص التفصيلي لخصائص كل نجم، أصبح هابيرلي وزملاؤه الآن على ثقة بشأن العوامل التي تؤثر على تحركاتهم.
تمكن الفريق البحثي من تحديد سبعة نجوم فقط من بين الملايين الموجودة في عنقود Omega Centauri والتي أشارت سرعاتها العالية وحركتها الاتجاهية إلى وجود كتلة كونية قريبة. وبعد دراسة وتحليل مفصل لخصائص كل نجم على حدة، أصبح الباحث ماكسيميليان هابيرلي وزملاؤه على يقين تام بالعوامل المؤثرة على حركة هذه النجوم.
وفي تعليق على أهمية هذا الاكتشاف، صرحت نادين نيومير، قائدة المجموعة في معهد ماكس بلانك لعلم الفلك، قائلة: “كانت الدراسات السابقة تطرح تساؤلات حول مكان وجود النجوم عالية السرعة. والآن لدينا إجابة على هذا السؤال، بالإضافة إلى تأكيد وجود ثقب أسود متوسط الكتلة في Omega Centauri”. وفقًا للدكتورة نيومير، فإن هذا الثقب الأسود الذي يبعد 18 ألف سنة ضوئية يعتبر أقرب ثقب أسود معروف حتى الآن، وهو أقرب لنا حتى من القوس A* الواقع في مركز مجرتنا درب التبانة.
كشفت أبحاث إضافية أن كتلة الثقب الأسود في Omega Centauri تعادل على الأقل 8200 كتلة شمسية. ولكن لا تتوقع أن ترى صورًا له، وهذا في الواقع نبأ سار للفريق البحثي. إذ إن عدم وجود أي جسم مرئي في الموقع المتوقع يعزز فكرة وجود الثقب الأسود، حيث لا يمكن لأي ضوء أن يفلت من جاذبيته الهائلة.
وعلق أميل سيث، الأستاذ المشارك في علم الفلك بجامعة يوتا والباحث الرئيسي المشارك في الدراسة، على هذا الاكتشاف متحمسًا، فقال في بيان بريد إلكتروني منفصل: “هذا اكتشاف لا يتكرر إلا مرة واحدة في مسيرة أي عالم فلك. لقد كنت متحمسًا بشأنه لمدة تسعة أشهر متتالية. في كل مرة أفكر فيه، أجد صعوبة في النوم. أعتقد أن الادعاءات الاستثنائية تتطلب أدلة استثنائية. وهذا دليل استثنائي حقًا وحقيقًا.”
المصدر: موقع nature